بمناسبة تسليم الرعاية
لسيادة المطران انطوان شربل طربيه
في كاتدرائية مار مارون ردفرن
3 حزيران 2013
ايها الاصدقاء الاعزاء
أيّها الموارنة الأوستراليّون أحبّائي في قلب المسيح.
كان ذلك في 8 شباط 2002، يومَ وقفتُ على مذبحِ هذه الكاتدرائيةِ، أتسلّمُ مِن سَلفي المطران يوسف حتي، مقاليدَ هذه الأبرشيةِ الحبيبة، آتيًا من قلبِ ذاكَ الجبلِ المقدّس، ملبّيًا نداءَ الروح، الذي اختارَني ودَعاني إلى خدمةِ إنجيلهِ، وحَملِ بشارتِه حتى أقاصيَ الأرض.
هذه "الخدمةُ"، التي أردْتُها شعارًا لأسقفيّتي، عَمِلتُ، على مَدى السنواتِ الإحدى عشْرةَ المنصرمةِ، على ترجمتِها، على قدْرِ ما أُوتيتُ من إمكاناتٍ، محاولاً أن "أملأَها كلَّها إلى فوق"، مُستقويًا بالذي يُقويّني، ومُتعاوِنًا إلى أقصَى الحدودِ، مع إخوتي الكهنة، شركاءِ الأسقفِ في مَهامِّهِ المثلّثة، ومع أخواتي الراهبات، وكلِّ أعزّائي العلمانيّين، الذين أفتخرُ بهم، وقد عضَدوني بمحبتِهم وأدعيَتِهم وبأفكارِهم ودعمِهم والمبادرات...
لقد شكّلنا معًا، عائلةَ الأبرشيةِ الكُبرى، وأبْحَرْنا معًا نحوَ آفاقٍ جديدة، ونحن واعون، لتحدّياتِ أزمنتِنا الجديدة، ولأهميّةِ مواجهَتِها، بوسائل عملٍ مُستحدَثَةٍ، وبلغةِ تَخَاطُبٍ جديدةٍ، تواكبُ مستجدّاتِ الحَداثَة.
إنّ الحفاظَ على وديعةِ المارونيّة ( أو ما أسميتُه Maroniteness) شكّلَ عندنا الهمَّ وكلَّ الاهتمام... ولأنّ الهويةَ، كي تُنقَلَ يجبُ أن تكونَ مُتجذّرةً ومُتأصِّلةً في تُربتِها الأم، (Lebaneseness)، كان إنشاءُ مركزِ التراثِ الماروني، في جوار هذه الكاتدرائية، ومنه النشاطاتُ والإصداراتُ التراثيّةُ. وكانت مجلّةُ "مارونيا"، الفصْليّةُ، التي جَمعَتْ كلَّ أطرافِ الأبرشيّة، وقد طَوَتْ عامَها العاشرَ، مُتوِجةً عددَها الاخير، بتوثيقِ ما حقّقناهُ معًا، خلالَ العَقدِ المنصرم. أمّا استقبالُنا لذخائرِ قدّيسينا، شربلَ ورفقا ونعمةَ الله، فقد أعطى أبناءَ الأبرشيّةِ جَرعةً روحيّةً فريدة، وأعادَ تأهيلَ خُطوطِ اتصالِهِم بالروحانيّةِّ المشرقيّة، والمارونيّةِ في قلبِها.
كما كانت مبادراتٌ، نابعةٌ من ضرورةِ العودةِ إلى الجذورِ، كإطلاقِ "منظّمةِ فرسانِ قنّوبين،" وإلى عُمقِ الإنجيل، "كجمعيّةِ سيّداتِ الإنجيل"، بالإضافةِ إلى نشاطاتِ "الرابطةِ المارونيةِ" المعروفةِ من الجميع، وكاريتاس وسواها...
أمّا العائلةُ، فَقدِ استحوَزَت عِندَنا، على الأولوّيةِ المُطلَقةِ، نظرًا الى رسالتِها، المطلوبةِ مسيحيًا ومُجتمعيًا، والى مسؤوليّتِها، عن استمراريّة الروح المارونيّةِ، وتركيزِ دعائمِ مستقبلِها، من خلالِ عيشِ الإيمانِ، ونقلِ الوديعةِ الى الأجيالِ الجديدة ... هذه الاجيال ، التي تُمثِلُ لنا الرجاءَ بالمستقبلِ المشرق، عَمِلْنا على مواكبتِها، في العائلةِ وفي الرعيّةِ وفي الجامعة، ورَكّزنا على المُحافظةِ على القِيَم، التي تَعني لعائلاتِنا: التآلفَ والتعاضُدَ والوحدةَ، ولشبيبتِنا: الصدقَ والأمانةَ والالتزام.
وقد جاءَ المؤتمرُ العالَميٌّ الأوّلُ، للشبيبةِ المارونيّةِ، الذي انعقدَ في سدني، والقداسُ المارونيُّ العالمي، الذي ترأسَهُ غبطةُ البطريرك، مار نصرالله بطرس صفير، وحولَهُ عشراتُ الأساقفةِ والكهنة، وحَضرَه أكثرُ من عشرينَ ألفَ ماروني، ليؤكّدَ أنَّ أبرشيّتَنا، رُغم بُعدِها الجغرافي، هي قلبُ الكنيسةِ المارونيّةِ النابض، وهي في صميم عملِ الكنيسةِ الجامعة.
صحيحٌ أنّ أهميّةَ موارنةِ الانتشارِ، تَكمنُ في كونِهم دعامةً روحيّةً، ومعنويّةً، وتضامنيّةً لإخوتِهم في الوطنِ الأم، ولكنَّ الأهمَّ هو في كونِهم، حيثُ هُمْ، رُسلَ المارونيّةِ، والمسيحيّةِ المشرقيّة، يَنشرونَها من خلالِ المَثَلِ والعيش، ويجعلونَها أكثرَ تألُّقًا من خلالِ حوارِ ثقافتِهم مع ثقافاتٍ أخرى، تزخُرُ فيها بلادُ العالم. وكذلك من خلالِ الإنثقافِ في قلبِ الحضارة الاوستراليّة، والتماهيَ مع المجتمعِ الأوسترالي، في كلِّ ما يملكُ من طاقاتٍ، حيثُ ساهَموا، ويُساهِمون، في جعلِ أوستراليا، ساحةَ لقاءٍ إنسانيّ وحضاري، وسمفونيّةً متناغمة، ومثالاً لكلِّ الشعوبِ والأمم.
وهذا ما عَمِلْنا على تركيزِه وتعزيزِه، وما سَيستمرُّ بهِ مطرانُنا الجديد... فالمارونيّةُ إنفتاحٌ وحوارٌ، والموارنةُ رسلٌ، يُعطُون قيمةً مضافةً لحوارِ الثقافاتِ والأديان، ويَسْعَوْنَ إلى إغناءِ الكنيسةِ الكاثوليكيّةِ الجامعةِ، بتُراثِهم المشرقي والليتورجي، ويَعمِلون للمسكونيّةِ، بانفتاحِ عقلٍ وقلبٍ، ورغبةٍ في رؤيةِ كنيسةِ المسيح، واحدةً غيرَ منقسِمة.
أيّها الأعزّاء،
انّ في التسليم والتسلُّم، بين مطرانٍ أتمَّ الشوطَ، ومطرانٍ يتأهّبُ للإنطلاق، ما هو أبعدُ من إجراءاتٍ إداريّةٍ فيها الحساباتُ والاحصاءات، وإنّما هو أيضًا، تسليمُ هيكليّاتٍ وتنظيماتٍ، انطَلقتْ، ومجالسَ كهنوتيّةٍ وراعويّةٍ ولجانٍ أُنْشِئَتْ ، وعَمِلتْ، وتعملُ على مُستوى الأبرشيّة ، وفي الرعايا، وقد بلغَ عددُها الخمسَ عشرةَ لَجنةٍ تهتمُّ بشتّى القطاعاتِ، الموزَّعةِ بحَسَبِ الأعمار، أو بحسَبِ الحاجات ... فكلُّ هذه، أُسلِّمُها بفخرٍ واعتزازٍ إلى الأسقفِ الجديد، وستكونُ له، بدونِ ريبٍ، الساعدَ المُساعِدَ، والوسيلةَ الأساسيّةَ لعملِهِ الرسولي.
وإلى هذه كلِّها، أسلّمُكَ، يا صاحبَ السيادةَ، مواطنينَ أوستراليينَ حقيقيين، مسيحيينَ بالإيمان، موارنةً بالهُويّة، لبنانيينَ بالأَصالةِ، وهم مُمْتنّونَ لبلادِهم الأوستراليّةِ ولسلطاتِها، يُبادِلونَها العطاءَ بالوفاء، ملتزمونَ بكنيستِهم، أوفياءُ لإرثِهم الروحي والثقافي، يلتفّون حولَ راعيهم، بمحبّةٍ، وثقةٍ، وإحترام. إنهم العلمانيونَ، الذين تعتمدُ عليهمِ الكنيسةُ، وتعطيهِم الدورَ الذي يَستحقّون ، إنهم رسالتُها، واركانُ عَملِها في إطارِ الأنجلةِ الجديدة.
وأبعدُ من كلِّ هذا ... فكَم يُسْعِدُني ان أسلّمَ خَلَفي المطرانَ الجديد، نفوسًا مؤمنةً، وقلوبًا مُحبّةً، وعقولاً منفتحة... أسلّمُه اطفالاً يَحلَمون، وشبابًا يتَطلّعون، ورجالاً ونساءً ينتظرون، وكبارًا يُصَلّون ... وفي مقدّمتِهم جميعًا كهنةٌ يَشتركونَ في الرؤَى والأحلام، وفي التفكيرِ والتدبير... وبمسؤوليّةٍ رسوليّةٍ يتقدّمون.
انّ عَلاقَة الكهنةِ المؤمنينَ بكنيستِهم، ليستْ بغريبةٍ عنكم، وقد كان لكم يا صاحبَ السيادة، مع إخوتِكم كهنةِ الأبرشيّة، فضلٌ في تعميقِها وتعميمِها، وهي مناسبةٌ، أشكرُكم على ما قُمتُم به، في رعيّةِ ومدرسةِ مار شربل، مع إخوتِكم الرهبان ، وما قامَ به مشكورينَ كهنتُنا الغيارى، في مختلِفِ الرعايا ، التي شَهِدت نهضةً، أغنَتِ الأبرشيّةَ، وقد صنعْنا معًا، بتعاونِنا، تاريخًا جديدًا للمارونيّةِ في الانتشار.
هذا التاريخُ، لم يكنْ، ولن يكونَ منعزلاً عن تاريخِ الكنيسةِ الاوستراليّة، التي تَفتخرُ بأحبارٍ وكهنةٍ، تَعاونتُ معهم في أُطرٍ ومجالسَ متعدّدةٍ ، ومنهم مجلس أساقفةِ الكنائسِ المشرقيّة، وقد كانت عَلاقتي بهم، مصدرَ غنىً روحي وكنسي ومسكوني، لي وللأبرشيّة... إليكم جميعًا، إخوتي الأحبار الأجلاّء، كلَّ مشاعرِ الوِدِّ والإمتنان.
وهي المشاعرُ التي أكنّها، لكلِّ السلطاتِ المدنيّةِ، الأوستراليّة الرسميّةِ، التي دَعَمتْ وتَدعمُ كلَّ مشاريعِنا الكنسيّةِ والثقافيّة، ممّا أعطى لِمُواطِنيتِنا الأوستراليّة، بُعدَها الحقيقي، وقيمَتَها المميّزة.
ويا أخي العزيز المطران أنطوان شربل ،
انّ الأبرشيةَ تعرفُك وتعرفُها، وتحبُّك وتحبُّها، وانتظاراتُها لكَ على قدْرِ المحبّة، وأنتَ الآتي إليها من أدْعيَةِ أبنائِها، ومن خُبْراتِك الغنيّة، وأنتَ من حَمَلْتَ في شخصِك رِفعةَ تنّورين، وعُمقَ قنّوبين، وروحانيّةَ رهبنةِ القدّيسين، الرهبانيّةِ اللبنانيةِ المارونيةِ، التي أُحَيّي رئيسَها، ومجلسَ مدبّريها، وكلَّ آبائها، ولاسيّما الذين خدَموا كنيستَنا في أوستراليا، والرهبانيّةُ تَسْعَدُ اليومَ بتاجِكم على رأسِها تقديرًا وعرفانا، كما حَملْتم، يا صاحبَ السيادة، ثقةَ رأسِ الكنيسة، قداسةِ البابا فرنسيس، الممثَل بينَنا بشخصِ سيادة السفير البابوي Most Reverend Paul Gallagher، ومحبةَ رئيسِ كنيستِنا، غبطةِ ونيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك انطاكية وسائر المشرق الكلّي الطوبى، الممثَلِ بينَنا بشخصِ سيادةِ المطران منير خيرالله، راعي ابرشيّة البترون الحبيبة، فلَه من الأبرشيّةِ ومنّي شخصيًا عاطفةَ محبةٍ يعرفُها جيدًا، وللمطران الجديد، تأييدُ مجمعِ أساقفةِ كنيستِنا المارونيّة، ومحبّةُ إخوتِه الكهنة، مَن سيزهو بهم ويفتخرُ، وهم يُحيطون به كإكليلٍ من الصدّيقين، والاسقفُ يتّكلُ أبدًا على ديناميّتِهم وعزمِهم.
وإنّي، في نهايةِ كلمتي الأخيرةِ هذه، أكرّرُ شكري لله، ولكنيستي، ولأساقفتِها، ولِكَهنتِها، ولأبنائها وبناتها، ولكلِّ من تَعاوَنْتُ معهم ومن أجلِهِم، مُستغفرًا جميعَ مّن أسأتُ إليهِم وإن بغير قصدٍ، ومستعذرًا عن كلِّ تقصيرٍ، حالَ دونَ تحقيقِ كلِّ ما كنتُ أصبُو إليه، حسْبي "أني أتمَمتُ شوطي، وأكمَلتُ خِدمتي، التي تلقَّيتُها من الربّ، وشهِدتُ لبشارة نعمةِالله"، كما قال بولس الرسول.
طُمَأنينتي، أني أتركُ الأبرشيةَ، تنمو بالقامةِ والنعمةِ والروح، أمامَ اللهِ والناس، وأنّ عائلتي الروحيّةَ هذه، التي أحببتُها، سأَحمِلُها في قلبي وصلاتي، وسأتّكِلُ على أدعيتِها حيثُ سأكونُ،
سأَحمِلُها في قلبي وصلاتي، وسأتّكِلُ على أدعيتِها حيثُ سأكونُ،
× مع "ابوستوليكا"، وهي المنظّمةُ التي أنشأتُ، لمساعدةِ مسيحيِّي الشرق الاوسط،
× ومع رسالةِ "الأنجلة الجديدة" في الكنيسةِ المارونيّة في لبنان والإنتشار،
× ودائمًا في "خدمةِ الانجيل"،
× وفي خدمةِ "كنيسةِ الآفاق الجديدة لأزمنةِ الروحِ الجديدة"،
آمـــيـــن.