في عيد مار مارون افتتاح أول إكليريكية مارونية في أستراليا وخطة سباعيّة جديدة للأبرشية ولبنان الهمّ الأكبر

 

المطران طربيه: القديس مارون هو حبة الحنطة التي غرست في أرض كنيسة أنطاكية وأثمرت في العالم كله

ولا تنسوا شعبكم المتألم في الوطن الأم

 

كتب غسان نخول

قد يكون القداس الاحتفالي بمناسبة عيد مار مارون متواضعاً هذه السنة لناحية أعداد الحضور مقارنةً بالسنوات الماضية، نظراً إلى التدابير المفروضة للحد من انتشار فيروس كورونا، لكنّه كان احتفالياً ومميزاً بما حمله من مبادرات ومعانٍ روحية ووطنية ورؤيوية مستقبليّة لأبرشيّة أستراليا المارونيّة.

فقد أطلق راعي الأبرشية المارونية في أستراليا المطران أنطوان-شربل طربيه مبادرتين في عظة العيد خلال القداس الاحتفالي في كاتدرائية مار مارون ردفرن، الأولى إعلان افتتاح أول إكليريكية مارونية في أستراليا، والثانية إطلاق خطة عمل للسنوات السبع المقبلة من أسقفيته.

المطران طربيه اعتبر أن مَثَـل حبة الحنطة التي لا تثمر ما لم تقع في التراب وتموت أولاً، يشير إلى جوهر القديس مارون الذي كان هو الحبة والزارع في آن واحد، إذ رأى حياته كبذرة، والبذرة لا تصنع نفسها بل هي هبة من الله، لا تخدم ذاتها ولا مصالحها الخاصة، بل المزارع الذي زرعها والناس الذين يقتاتون منها بعد تحولها غلالاً من الحنطة.

وقد أعطى الرب يسوع هذا المثل الذي يُقرأ في عيد القديس مارون كل سنة كما ورد في إنجيل القديس يوحنا، عندما كان يتنبّأ عن ساعة تمجيده بالموت والقيامة. ولفت المطران طربيه إلى أن ساعة تمجيد الرب لا تنتهي أبداً، بل تظهر في كل عبادة لله، وكل خدمة مهما كانت صغيرة، وكل إماتة. وأضاف، كلها تساهم بشكل أو بآخر بتمجيد الله، لأن نعمة الله هي التي تعمل في الإنسان.

 ولعلّ هذه النعمة هي التي عملت في عائلتيْ عبدالله وصقر اللتين أطلقتا قبل أيام اليوم الوطني للمسامحة i4give Day في الذكرى السنوية الأولى لوفاة أطفال العائلتين، أنطوني وسيينا وأنجلينا عبدالله وفيرونيك صقر بصدمهم من قبل سائق مخمور. المطران طربيه رحّب بداني وليلى عبدالله وبريدجت صقر بين الحضور، لافتاً إلى أن العائلتين تمكنتا من خلال إيمانهما بتحويل الألم الشديد الناجم عن فقدان أطفالهما إلى رسالة رجاء ورسالة غفران.

وكان بين الحضور أيضاً في قداس العيد القاصد الرسولي في أسترليا أدولفو تيتو ييلانا، وراعي أبرشية الروم الملكيين الكاثوليك في أستراليا ونيوزيلندا المطران روبير رباط، والأسقفان المساعدان لأبرشية سيدني للاتين تيري برادي وريتشارد آمبرز.

 والهمّ اللبناني كان حاضراً بقوة في عظة المطران طربيه الذي أعرب عن قلقه من الوضع القائم في لبنان، معتبراً أن الكنيسة في الوطن الأم تتألم لآلام شعبها الذي يتخبط في دوامة الفقر والجوع والمرض والقلاقل.

وجدد المطران طربيه دعوته الجالية لمساعدة اللبنانيين بسخاء سواء من خلال الحملة التي تقوم بها الأبرشية المارونية لتبني عائلة في لبنان عبر مساعدة مالية شهرية، أو عن طريق المشاركة في الحملة المفتوحة لإرسال أدوية ومواد أساسية إلى المحتاجين والتي تقوم بها جميعة الأطباء اللبنانيين الأستراليين.

كذلك، أكد المطران طربيه دعمه لموقف البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي دعا إلى عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، وإعلان حياد لبنان ووضع حد للسلاح خارج الشرعية.

 بالنسبة إلى خطة الأولويات السبع الجديدة للسنوات السبع المقبلة من أسقفيته، والتي أعلنها المطران طربيه في قداس العيد بعد انتهاء العمل بخطة الأولويات السبع الأولى التي وضعها للسنوات السبع الأولى من أسقفيته، تم الإبقاء على أربع أولويات سابقة وهي الدعوات الكهنوتية، العائلة، الشبيبة والرسالة المارونية، فيما تم إدخال ثلاث أولويات جديدة وهي الليتورجيا المارونية، الأنجلة عبر وسائل الإعلام والقضايا الاجتماعية المستجدة. وقد وُضعت هذه الأولويات بعد مشاورات كثيفة أجرتها الأبرشية على كل الصعد، ولا سيما في ضوء توصيات المجمع الأبرشي الذي عُـقـد على مراحل وكانت جلساته الرئيسية على مدى ثلاثة أيام في نيسان 2018.

أما بالنسبة إلى الإكليريكية، فهي الأولى للكنيسة المارونية في أستراليا وستعمل على تنشئة الشبان على الخدمة الكهنوتية. مقر الإكليريكية كاتدرائية مار مارون، ردفرن، وقد انطلقت بثلاثة شبان يميّزون حالياً دعوتهم الكهنوتية. المطران طربيه وصف الشبان الثلاثة باالبذرة التي يرجو أن تثمر، لافتاً إلى أن معنى كلمة إكليريكية بالانكيليزية هو مكان زرع البذور.

هذه الملاحظة للمطران طربيه هي حتماً من عَلُ. فقبل 326 سنة، وتحديداً في العام 1695، قدِم ثلاثة شبان موارنة من حلب إلى البطريرك الماروني آنذاك المكرم اسطفان الدويهي، وطلبوا منه بركته لتأسيس رهبنة مارونية. بعدما امتحنهم البطريرك، أعطاهم بركته، فأسس الشبان الثلاثة الرهبنة اللبنانية المارونية التي خرج منها آلاف الرهبان وقادة روحيون وملافنة وقديسون بينهم مار شربل ومار نعمة الله الحرديني. وهي أيضاً الرهبنة التي ينتمي إليها المطران طربيه.

الشبان الثلاثة الذين أسسوا الرهبنة اللبنانية المارونية هم جبرائيل حوّا، يوسف البتن وعبدالله قرأعلي. والشبان الثلاثة الأوائل في إكليريكية مار مارون أستراليا هم غبريال خيسي – وغبريال يعني جبرائيل – أنطوني جوزف – وجوزف هو يوسف طبعاً – وكريستوفر سعادة. اسم كريستوفر من أصل يوناني، كريستوفورس، ويعني حامل المسيح، أي عبده. والمسيح هو الله المتجسد في أقنوم الابن. بذلك يكون كريستوفر عبداً لله.

 قد يرى البعض في هذه الخاتمة قراءة مبكرة أو استباقية في غير محلها لأن مسيرة تمييز الدعوة الكهنوتية طويلة وشاقة، دونها تحديات لا توصف. وقد يكون هؤلاء محقين. لكنَّ أوجه الشبه أكبر من أن تمرّ مرور الكرام، والإيحاء أقوى من أن يبقى ملكاً لصاحبه، والعيد هو زمن الرجاء والفرح على رغم كل شيء.

 

Photos courtesy of Giovanni Portelli/ Catholic Archdiocese of Sydney.